دين

كُن إنسانًا

/ريما فارس/موقع الأمة/

أن تكون إنسانًا، لا يعني فقط أن تُولد من جنس البشر، بل أن تحمل في قلبك نبض الرحمة، وفي يدك عطاءً لا ينضب، وفي سلوكك ما يليق بخليفة الله في الأرض. “كن إنسانًا” ليست عبارة تقال، بل حالة تُعاش، وموقف يتجذر في لبّ الدين، ويتجلّى في أعظم العبادات: قضاء حوائج الناس.

يقول الإمام الصادق عليه السلام:
“من قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة، أولها الجنة…”
فأي منزلة هذه؟ أن تمشي لقضاء حاجة أخيك، أن تفرّج كربة، أن تمسح دمعة، أن تعين عاجزًا — ليس عملًا دنيويًا فقط، بل طريقًا مستقيمًا نحو الآخرة. عبادة لا تحتاج سجادة، بل قلبًا حيًا.

ويزيد رسول الله ﷺ الأمر وضوحًا حين قال:
“لَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِي هَذَا شَهْرًا.”
أرأيت؟ عبادة عظيمة، تُقاس لا بعدد الركعات، بل بعدد الخطوات التي تخطوها في سبيل الآخرين.
العبادة في الإسلام ليست شعائر منفصلة عن الحياة، بل هي روح تتنفس في المعاملة، في الرحمة، في البذل.

قالها النبي بوضوح:
“من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة…”
فلا تحتقر معروفًا، ولا تؤجل خيرًا، فربّ باب فُتح لك اليوم، هو نفسه الذي سيُفتح لك غدًا عند الله.

الوجوه التي تستحق الاحترام ليست دائمًا تلك التي يزينها الجمال، بل التي تعرف طريقها إلى قلوب الناس باللطف، والمروءة، والمساعدة.
كن إنسانًا، أي كن كما أرادك الله: عبدًا لا يسكن صومعة وحده، بل يُعمر الأرض بالخير، ويكون بلسمًا لجراح الآخرين.

وقد رسم أمير المؤمنين علي عليه السلام هذا المعنى حين قال:
“الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.”
تأمل… هذه العبارة وحدها كفيلة بأن تُعيد تشكيل رؤيتك للعالم. أن ترى في كل إنسان مرآةً لك، لا غريبًا ولا خصمًا، بل كائنًا يشبهك في الضعف، في الحلم، وفي التوق إلى الرحمة.

الخلق كلهم عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله.
فكن نافعًا، كن سندًا، كن وجهًا يُطمأن له، ويدًا يُستعان بها.

ولا تستهين بحسنة، فإن بسمة في وجه أخيك تُعد صدقة، كما قال الإمام الباقر عليه السلام:
“تبسمك في وجه أخيك صدقة، وصبّك الدلو في إناء أخيك صدقة، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة.”

في زمنٍ قست فيه القلوب، وقلّت فيه الأيدي الممدودة بالعون، الإنسانية ليست ترفًا، بل صراط نجاة.
فلا تدع الحياة تمر بك دون أن تترك فيها أثرًا من نور. لا تؤخر معروفًا، ولا تقل: مالي وله، فالناس للناس، والقلوب إذا رحمت، رُحِمت.

كن إنسانًا… تكن عند الله من المقربين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى