الرزق بين الدعاء والسعي

/ريما فارس/موقع الأمة/
كثير من الناس يظنّون أنّ الرزق سيأتي لمجرّد الصلاة والدعاء، فيقول أحدهم: “أنا أصلّي وأعبد الله، والرزق سيأتيني”. نعم، الله سبحانه هو الرزّاق، يقسم الأرزاق ويعطي من يشاء، لكن هل يكفي الدعاء وحده دون عمل؟ الواقع يثبت غير ذلك. فكم من أشخاص دخلوا مشاريع وخسروا، وكم من آخرين سعوا وفشلوا، ومع ذلك استمروا في المحاولة حتى وُفقوا. وهنا نفهم أنّ الرزق لا يُنال بالانتظار فقط، بل بالجهد والعلم والتخطيط، مع التوكّل على الله.
وقد أكّد القرآن هذا المعنى بوضوح، إذ يقول تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾، فالإنسان لا يُكتب له إلا ما سعى إليه، ولا يحصد إلا ما زرعته يداه. ومن هنا ندرك أن الدعاء وحده لا يكفي، بل هو دعامة روحية تمنح القلب طمأنينة، لكنّه يحتاج إلى جناحٍ آخر هو السعي. لذلك قال الله تعالى أيضًا: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾، فبعد العبادة يأتي العمل، وبعد الدعاء يأتي السعي، وهذه هي المعادلة المتوازنة في الإسلام. كما يذكّرنا الله بأن الأرض خُلقت مذللة للإنسان ليعمل فيها ويأخذ من رزقه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾، أي أن على الإنسان أن يتحرّك في الأرض، يتاجر، يزرع، يبتكر، يسعى، ثم يأخذ من خيراتها.
إن الفقر ليس قدرًا محتومًا على الإنسان لمجرّد أنّه بلا مال، بل الفقر الحقيقي هو حين يقلّ السعي، ويضعف التدبير، ويكتفي المرء بالدعاء دون أن يمدّ يده إلى العمل. فالإنسان الذي يسعى ويجتهد ويُحسن التدبير قد لا يكون غنيًّا مترفًا، لكنّه ليس فقيرًا؛ لأنّه يملك ما يكفيه ويصون كرامته. لقد أراد الإسلام للإنسان أن يعيش عزيزًا مكتفيًا، ولو بقوت يومه، لا أن يذلّ نفسه بالسؤال والتواكل. فالقناعة غنى، لكنّها لا تعني الكسل، بل أن يسعى المرء ويعمل، ثم يرضى بما قسم الله له. وبهذا يحقق التوازن بين الدعاء والعبادة من جهة، وبين السعي والكدّ من جهة أخرى، ليكون غنيّ النفس واليد معًا.