مجتمع

الروتين… بين نعمةٍ تُطمئن ونقمةٍ تُطفئ وهج الحياة

/ريما فارس/موقع الامة/

هناك لحظات في حياة الإنسان يشعر فيها أن الأيام صارت نسخًا متطابقة، كأن الزمن يدور في حلقة مغلقة لا بداية لها ولا نهاية. هذا هو الروتين… تلك الكلمة التي كثيرًا ما نحملها على أنها عبء، مع أنها في حقيقتها تحمل وجهين، أحدهما مُطمئن والآخر مُرهق.

فالروتين من جهة، يمنحنا شعورًا بالأمان؛ يزرع في يومنا مساحة ثابتة نستند إليها. يشبه خطوات الصباح الأولى: فنجان القهوة الذي نعرف طعمه، الطريق نفسه الذي يرافقنا كل يوم، والمهام التي نحفظها غيبًا. في هذه التفاصيل الصغيرة، يولد نوعٌ من الهدوء الداخلي، وكأن الروتين يقول لنا: “لا بأس، هناك أمور ثابتة يمكنك الاتكاء عليها مهما تغيّر العالم”.

لكن، في المقابل، للروتين وجه آخر… ذلك الوجه الذي يخنق الإحساس بالحياة عندما يطول. حين يتحوّل إلى سجن غير مرئي، يسرق منّا القدرة على الدهشة، ويجعل الأيام تتساقط كأوراق شجر ذابلة. هنا يصبح الروتين قاتلًا صامتًا: يطفئ الإبداع، يضعف الحماسة، ويجعل مشاعرنا باهتة لا لون لها.

والمفارقة أن الإنسان يحتاج الأمرين معًا: يحتاج إلى الثبات كي يشعر بالطمأنينة، ويحتاج إلى التغيير كي يشعر أنه حي. لذلك، ربما ليست المشكلة في الروتين نفسه، بل في الطريقة التي نعيش بها هذا الروتين.

أحيانًا يكفي تفصيل صغير لنعيد الحياة إلى نهار باهت: طريق مختلف، قراءة صفحة من كتاب، قهوة مع صديق، أو حتى لحظة صمت نلتقط فيها أنفاسنا. فالحياة لا تطلب تغييرات كبرى دائمًا… بل تحتاج إلى لمسات بسيطة تذكّرنا أن اليوم ليس بالضرورة نسخة عن الأمس.

في النهاية، الروتين ليس عدوًّا ولا صديقًا كاملًا… هو ميزان دقيق بين ما نحتاجه لنطمئن، وما نغيّره لنحيا. والسؤال الذي يبقى معلّقًا:
هل نحن من ندير روتين يومنا… أم أن الروتين هو الذي يديرنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى