“حدا بجيب الدب لكرمه “

ريما فارس / موقع الأُمَّة /
كلما تفاقمت الأزمات في لبنان، وجدنا أنفسنا نبحث عن تفسير لما يجري، عن لحظة البداية التي قادتنا إلى هذا الواقع المأزوم. كيف تحوّل بلد كان يُلقب بـ”سويسرا الشرق” إلى ساحة للأزمات، وكيف تحوّل من مركز جذب اقتصادي وثقافي إلى دولة تبحث عن أبسط مقومات العيش؟
وسط هذا التساؤل المستمر، استوقفني مثل شعبي قديم: “حدا بجيب الدب على كرمه”. هذا المثل الذي يعكس بوضوح حال لبنان، وكأنه صُنع خصيصًا ليحكي قصته.
يُحكى أن فلاحًا امتلك كرمًا من العنب، واعتنى به لسنوات ليحصل على محصول وفير. لكنه لاحظ أن بعض العناقيد تختفي، فظن أن اللصوص يتسللون لسرقتها، وبدأ يبحث عن طريقة لحماية أرضه. وذات يوم، سمع أن هناك دبًا يتجول في المنطقة بحثًا عن الطعام. خطرت له فكرة بدت ذكية في البداية: ماذا لو قرّب هذا الدب من كرمه وجعله حارسًا له؟ فهو قوي، ومجرد وجوده سيخيف أي لص يجرؤ على الاقتراب. وبالفعل، بدأ الفلاح يُطعم الدب ويستميله ليبقى في الكرم.
في البداية، بدا أن خطته نجحت، فاللصوص لم يعودوا يظهرون. لكن سرعان ما اكتشف أن مشكلته لم تُحل، بل تضاعفت؛ فقد بدأ الدب نفسه يأكل العنب، ويدوس الأغصان، ويدمّر الأشجار بلا اكتراث. وعندما حاول الفلاح إبعاده، وجد أن الأمر خرج عن سيطرته، وأنه هو من جلب الكارثة إلى أرضه بيديه.
في السياسة، كما في الاقتصاد، جلب لبنان لنفسه قوى ومصالح تحت وهم الحماية والاستقرار. تحالف مع جهات خارجية، وفتح الباب لتدخلات اعتقد أنها ستنقذه، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى عبء على قراره وسيادته. والأمر نفسه حدث اقتصاديًا؛ استدان، واستجلب سياسات مالية اعتقد أنها ستحميه، لكنها قادته إلى الانهيار. اليوم، يقف لبنان أمام حقيقة قاسية: الدب الذي أدخله إلى كرمه لم يعد يمكن السيطرة عليه. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ما زال هناك أمل لإنقاذ الكرم، أم أن الأمر انتهى، ولم يبقَ سوى حصاد الخسائر؟




